كلمة الشاعر محمود توفيق

كلمة الشاعر محمود توفيق

عن محمد على ماهر فى ذكراه الأولى


مرة أخرى اتوجه بكلماتى على هذه الصفحات لإحياء ذكرى عزيز راحل من أعلام الفكر والفن والأدب فى بلادنا، وهو المرحوم الأستاذ محمد على ماهر، الذى غادرنا فى مثل هذه الأيام من عام مضى.
وقد تساقطت من سماء حياتنا الأدبية والفنية والفكرية نجوم كثيرة فى الأعوام القليلة الماضية، وكان رحيل كل منها يخلف فى القلوب الكثير من الأحزان، أما محمد على ماهر فقد مضى خفيفا كالطيف أو كالنسيم العابر، حتى أوشكت الدهشة أن تطغى على الحزن عليه فى قلوب احبائه، وكان ذلك راجعا إلى أسباب عديدة:
أول هذه الأسباب، هو أن محمد على ماهر كان قد علَّم أصدقاءه وتلاميذه ومريديه أن الموت ليس نهاية للانسان بقدر ماهو بداية جديدة لحياة جديدة، أكثر عمقا ورحابة وإشراقا بما لا يقاس، من هذه الحياة الدنيا، وأن ما يفقده الأنسان بالموت، وهو بالجسد، هو أقل مافى وجوده شأناْ، وهو قد واجه الموت بما لابد أن يترتب على هذا الإيمان من بساطة وشجاعة، ولاشك أن شيئا كثيرا من تلك البساطة وهذه الشجاعة، كان قد انتقل إلى نفوس المحيطين به من الأهل والأصدقاء.
وثانى تلك الأسباب، هو أنه كان قد عانى الكثير فى مرضه الطويل العضال، الذى واجهه بصبر وشجاعة نادرين، حتى خف منه الجسد، وحتى شفت روحه وأشرقت بأنوار ربانية ساطعة، تجلى بهاؤها لكل من رآه وتحدث معه أو استمع إليه فى ايامه الأخيرة، بل إن فيضا من كل ذلك غمر مشيعيه يوم وفاته، وليلة مأتمه، الأمر الذى شعروا به وشهدوا به وشهدوا عليه، على ما أحسست به شخصيا، وما سمعته من آخرين من الأصدقاء على غير توقع ولا اتفاق، ولعلى أكون قد وفقت فى التعبير عن شئ من ذلك فى الأبيات التى رثيته بها، والتى يجدها القارئ منشورة فى صفحات تالية من هذا الملحق.
إن كثيرا من الناس قد عرفوا محمد على ماهر كاتبا صحفيا قرأوا له فى صفحات المصرى والشعب والجمهورية، كما عرفوه شاعرا جياش المشاعر والقومية والإنسانية.. على ما يراه القارئ فى قصيدتيه المنشورتين فى الصفحات التالية، وأكثر من هؤلاء من عرفوه كاتباً وفناناً إذاعياً لا يبارى، على ما تشهد به أعماله ومسلسلاته الإذاعية التى حملتها أمواج الأثير إلى الجماهير الواسعة فى سائر أنحاء العالم العربى، وخاصة فى رمضان من كل عام من خلال برنامجه المعروف "أحسن القصص". وقد استطاع محمد على ماهر، أن يضيف بهذه البرامج إضافات حقيقية إلى هذا الباب من أبواب الأدب، وهو الأدب الإذاعى، وكان له بذلك أعظم الفضل فى تطوير وإنضاج هذا اللون الجديد من ألوان الأدب المصرى والعربى، وكانت لمحمد على ماهر مساهمات كبيرة فى مجالات الأدب التليفزيونى والسينمائى، لعل أبرزها وأشهرها، مشاركته المعروفة والأساسية فى كتابة سيناريو وحوار فيلم "الرسالة".
ذلك كله مشهور ومعروف، ولكن أعظم ما تميز به محمد على ماهر، كان يتمثل فى دوره كمفكر إسلامى، وكمفسر وداعية للمبادئ الإسلامية الخالدة، كل من سمع البرامج الإذاعية الإسلامية التى كتبها، أو استمع إليه شخصيا فى مجالسه الخاصة، أو فى الندوات الدينية البسيطة الرائدة التى كان يقيمها مرة أو مرات كل أسبوع، فى أى مكان يعيش فيه، من حلوان إلى فنلندا، قد أدهشه وأسعده مدى ماتوصل إليه محمد على ماهر من قدرة على فهم تعاليم الإسلام، وفلسفة الإسلام، وقيم الإسلام الروحية والخلقية والاجتماعية والسياسية، وعلى التعبير عنها تعبيراً واضحاً بسيطا مقنعا إلى حد رائع، ومتميز وفريد، وهذه المقدرة الباهرة، لم تأت عبثا ولا من فراغ، بل كانت وليدة إيمان عميق، وعلم غزير، وقدرة نادرة على التعبير لا يملكها إلا شاعر وكاتب وفنان من الطراز الرفيع.

وفوق كل ذلك، فقد كان فضل ماهر كإنسان، فضلا غامرا لكل المحيطين به من الأهل والأصدقاء، بل لكل من اتصلوا به بسبب من الأسباب، فسلام عليه فى ذكراه، سلام عليه حين ولد، وحين مات، وحين يبعث حيا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق